الصبر
قد نجد أنفسنا أحيانا في بلاء أو أزمة تتطلب مننا الصبر. وقد يمتد الانتظار لفترات طويلة. كيف نقضي أوقات الانتظار؟ وكيف نجعلها تمر بسرعة دون ثقل؟
الدنيا دار بلاء وابتلاء، يعيش الإنسان فيها متنقلا من اختبار إلى آخر، ولا تنتهي هذه الاختبارات إلا بالموت. يقول ربنا جل وعلا: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ" {البلد:٤}. والصبر هو أهم الأسلحة والأدوات التي يتسلح بها الإنسان لمواجهة تلك الابتلاءات. فما قدر للإنسان في دُنياه سيلقاه، سواء رضى بذلك أو لم يرض. فالجزع وكثرة الشكوى لن يغرا من الأمر شيء، ولن يزيدا الإنسان إلا هما وإحساسا بالمعاناة.
الصبر في حد ذاته بلاء، فقد يمر ثقيلا صعبا على من قُدر عليه البلاء. والوقت يمر بطيئا وثقيلا على كل منتظر يعُد الأيام والليالي متشوقا لانتهاء هذا الاختبار. ولكن إن تمكن المرء من تخفيف وطأة هذا الانتظار والتهوين ولو قليلا من ثقل الوقت ومروره، فإن ذلك بالتأكيد سيكون أمرا جميلا. فالوقت سيمر مهما كانت حالة المنتظر، فلا الجزع سينقصه ولا العجلة ستقصره. فلو قُدر لشخص ما المرض لمدة أسبوع مثلا فلن يساعده الجزع في اختصار المدة ليومين، بل سيمر الأسبوع كاملا بكل أيامه وساعاته ودقائقه وثوانيه. فالأفضل إذا البحث عن طريقة لتخفيف ثقل الزمن طالما لن نتمكن من نقصانه.
مراقبة القهوة
هل لاحظت يوما عند قيامك بعمل قهوة - إن كنت من محبي القهوة - أنك حين تكون منتبها للقهوة وهي على النار فإنها تصل للغليان بعد وقت طويل، لكن إن غفلت وانشغلت عنها في أمر آخر فإنها تفور في الحال؟!! ... وكأن القهوة تراقبك كما تراقبها، فإذا التفتت عنها تعمدت الفوران. الحقيقة أن الزمن الذي أخذته القهوة لتصل للغليان واحد، سواء كنت منتبها لها أو غافلا عنها. الفارق الوحيد هنا هو مدى إحساسك بالزمن في الحالتين. فحين تكون منتبها ومنتظرا يمر الوقت عليك بطيئا كالسلحفاة، وحين تنشغل بأمر آخر يمر الوقت سريعا كالبرق.
الصبر هو فن البحث عن عمل آخر تعمله، نشغل به تفكيرك.
ما ذكرناه عن القهوة ينطبق على كل أمر نراقبه وننتظر حدوثه أو انقضاءه. فالوقت هو الوقت لا يزيد ولا ينقص. ما يتغير هو مدى إحساسنا بمروره. والصبر ما هو إلا فن البحث عن عمل بديل. فحتى لا يكون الصبر شاقا ومرهقا، علينا ألا نعد أيامه ولياليه منتظرين نهايته. فطالما ان الوقت سيمر كاملا مهما فعلنا، فلماذا لا نجعله خفيفا عن طريق الانشغال بأمر آخر نلتهي فيه؟ بدل من جعله ثقيلا عبر الترقب والانتظار!
الحجر الصحي
مثال بسيط لتوضيح الفكرة. منذ ما يقرب من ثلاث سنوات حل علينا ضيف ثقيل نغص علينا أيامنا وحياتنا وهو وباء الكورونا. وكان على كل مصاب أن يدخل في حجر صحي لمدة تقارب ال١٤ يوما. أياما طويلة تظل فيها حبيس غرفتك لا تفعل شيئا في انتظار الإفراج، ولا سبيل سوى الصبر. ولكن هناك نوعان من الناس. الأول، ظل يعد الأيام والليالي في ضيق وضجر منتظرا انتهاء مدة الحجر، فمر عليه الوقت بطيئا وثقيلا كأنه في سجن ولم يستفد منه بشيء وضيع من عمره ١٤ يوما هباء.
والثاني، أخذ معه مجموعة من الكتب وحاسوبه الشخصي واستغل فترة الحجر في القراءة حضور دورات تعليمية على الانترنت وغيرها من الأنشطة. فمر عليه الوقت خفيفا سريعا وانتهت فترة الحجر وقد تعلم مهارات جديدة واكتسب عادات مفيدة وقد تتغير حياته وسلوكياته بالكامل بعد تلك المدة.
ختاما
الصبر خلق عظيم يجب أن يتحلى به الجميع. وثوابه عند الله بلا حدود، فيقول الله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" {الزمر:١٠}. ولكن قد يكون الصبر شاقا أحيانا، فإن كانت هناك طريقة لتخفيف وطأة وثقل الوقت فإنها ستساعد بالتأكيد على تجاوز البلاء. وخير طريقة لذلك هي بالانشغال عن المحنة بأمر آخر وعدم التفكير فيها بصورة مستمرة وإلهاء النفس في نشاطات مختلفة. فإن ذلك سيجعلنا لا نشعر بالوقت، فيمر سريعا خفيفا لا نلبس إلا ونجد أنفسنا قد عبرنا المحنة دون أن نشعر.
لا تنس أن تشاركنا رأيك بالتعليق والإعجاب . وأيضا، إعادة نشر المقال مع أصدقائك
ما هو رد فعلك؟
