من أي نجم انت؟

الآن نجيب عن ثاني الأسئلة، "ما فائدة النجوم؟" وما دورها في هذا الكون الضخم.

من أي نجم انت؟

في المقال السابق "كيف تتكون النجوم؟" تحدثنا عن مولد النجوم وكيف تتكون نتيجة تكتل كميات ضخمة من الهيدروجين تزداد في كتلتها حتى تصل لنقطة الاشتعال. وبهذا نكون قد أجبنا عن سؤالين وهما، مم تتكون النجوم؟ وكيف تكونت؟ والآن نجيب عن سؤال آخر وهو ما فائدة النجوم؟ وكيف استفاد الكون منها؟

عند بداية الكون لم يكن هناك أي عناصر سوى الهيدروجين والهيليوم. الهيدروجين هو أبسط عناصر الكون، ويتكون من نواة بها بروتون واحد ويدور حولها اليكترون واحد. أما الهيليوم فهو أثقل قليلا ويتكون من نواة بها بروتونان اثنان ويدور حولها اليكترونان اثنان. وماعدا هذان العنصران البسيطان، لم تتكون في الكون عناصر أخرى. وهنا يأتي سؤال، من أين أتت باقي عناصر الكون مثل الحديد والكربون وغيرها؟ الإجابة ببساطة هي من النجوم.


القلب الجبار

في قلب النجم يوجد ذلك المفاعل النجمي الجبار الذي يقوم بتحويل الهيدروجين إلى باقي عناصر الكون عن طريق ما يسمى بالاندماج النووي، حيث يقوم مركز النجم بدمج العناصر معا لتكوين عنصر جديد. فكما قلنا سابقا، نتيجة لكتلة النجم العملاقة، فإن العناصر المتواجدة في المركز تقع تحت قوة ضغط هائلة. تقوم تلك القوة بدمج العناصر معا.

فأولا يقوم قلب النجم بدمج كل ذرتين من الهيدروجين -١ بروتون + ١ اليكترون- معا لتكوين ذرة هيليوم -٢ بروتون + ٢ اليكترون- وهكذا حتى ينفذ مخزنه من الهيدروجين وتحوله بالكامل إلى هيليوم.

لاحظ أن عملية دمج العناصر تلك يتولد عنها طاقة هائلة، وهي التي تعطي النجوم هذا الكم الهائل من الضوء والحرارة التي تنشرهما في الكون مثل شمسنا التي تمدنا بالضوء والحرارة. فمصدر هذه الحرارة ليس احتراق من النوع التقليدي كالذي يتم عندما نشعل وقودا مثل البنزين، وإنما هو نتيجة دمج للعناصر داخل مركز النجم.

بعد ذلك ينتقل النجم إلى دمج الهيليوم وينتج عن ذلك عناصر أكثر ثقلا مثل الكربون. ثم يبدأ في دمج ما تكون من كربون، وينتج عن ذلك عناصر أثقل مثل الأكسجين والنيون والماغنيسيوم. ثم يُدمج الأكسجين بدوره إلى سيليكون وغيرها من العناصر مثل الكبريت والتي تنتج في النهاية الحديد.


مولد نجم جديد

داخل السديم، تبدأ عناصر الهيدروجين في التجاذب تجاه بعضها والتكتل مع بعضها لتكوين كتلة متماسكة من الغاز، ثم يبدأ حجم هذه الكتلة بالزيادة عن طريق جذب المزيد من الغاز إليها ومع زيادة هذه الكتلة تزداد معها قوتها الجاذبة فتقوم بجذب كميات أكبر من الغاز المحيط بها في السديم، وهكذا.

دمج الذرات في المركز هوما يعطي النجم الضوء والحرارة وليس احتراق تقليدي للوقود

مع استمرار كتلة كرة الغاز تلك في الزيادة تتولد قوة جاذبية جبارة تقوم بالضغط على مركزها ونواتها فيؤدي ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة المركز حتى وصولها إلى الدرجة الحرجة التي عندها يشتعل هذا القلب أو المركز وتشتعل معه كتلة الغاز العملاقة تلك معلنة ولادة نجم جديد.


سُم النجوم

يعتبر الحديد هو سُم النجوم، فمتى بدأ الحديد في التكون في قلب النجم أصبح هذا إيذانا بقرب زواله. فالحديد هو أثقل العناصر في الكون ولا يمكن دمج ذراته إلى ذرات أثقل، فذلك يتطلب قوة جبارة لا تتوفر عند أضخم النجوم في الكون.

إذا أصبح قبل النجم من الحديد توقف مفاعله النجمي وتوقفت معه القوة الطاردة التي تبقي على استقراره، ولم يبق إلا قوة الجاذبية الناتجة عن كتلته الضخمة. فتقوم قوة الجاذبية المنتصرة بسحق النجم وتدميره فينفجر قلب النجم فيما يعرف بالمستعر الأعظم Supernova ومع الانفجار يقوم النجم بطرح كل ما تكون من عناصر ومواد ثقيلة بداخله في الفضاء.


شمسنا الجميلة

فيما مضى من قديم الأزل، وقبل تكون شمسنا وما صاحبها من تكوين الكواكب في مجموعتنا الشمسية، كان يوجد في نفس موقعنا في المجرة نجم عملاق أو أكثر. قامت هذه النجوم بتكوين كل ما سبق من عناصر ثقيلة ثم مع انفجار هذه النجوم تبعثرت أشلاءها ومكوناتها في الفضاء.

الحديد هو سُم النجوم، فمتى بدأ الحديد في التكون في قلب النجم بدأت نهايته

ثم بعد مرور السنين بدأت الشمس في التكون كما قلنا في المقال السابق من كتلة ضخمة من الهيدروجين. ومع اشتعال الشمس بدأت في لملمة ما تركته سابقاتها من النجوم من كربون وحديد وأكسجين وبخار ماء وغيرها من العناصر، ثم بدأت في تكوين الكواكب حولها في عملية أشبه بطهي الطعام مستخدمة كتلتها وقوة جاذبيتها الجبارة.

وبما أننا عرفنا أن كل العناصر في الكون غير الهيدروجين والهيليوم قد تكونت داخل النجوم التي تنفجر لتستفيد بها نجوم أخرى تتكون بعدها. وحيث أن العنصر البيولوجي والعضوي الأهم في حياتنا هو الكربون والذي تتكون منها جميع الخلايا الحية، فمن هنا نستنتج أن كل خلايا أجسامنا قد تكونت داخل نجم ما عاش واندثر في سحيق الأزل. ثم قامت شمسنا بلملمة ما كونه من عناصر لتكوين مجموعتها الشمسة.

لذلك إذا تأملت فيما حولك من أشجار وأنهار ومخلوقات أو حتى جمادات مثل الحديد والذهب والصخور كلها تكونت من مليارات السنين داخل نجم ما. وإذا تأملت الماء الذي تشربه والهواء الذي تتنفسه ستجد أن عناصره وذراته هي أقدم عمرا من الشمس. وإذا نظرت إلى جسدك وما به من خلايا قد يكون قد صنع في نجم وبعضها صنع في نجم آخر.

عندها قد تتساءل "من أي نجم أنت؟".

لا تنس أن تشاركنا رأيك بالتعليق والإعجاب . وأيضا، إعادة نشر المقال مع أصدقائك

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow